يحكى أن قرية عاش بها فلاح شديد الجشع رغم ثراءه , و كان دائم التطلع إلى ما فى أيدى من حوله من جيرانه, ولم يدخر جهدا فى الاستيلاء على ما تصل إليه يده إن استطاع , و لما ضج الناس منه و لم يجدوا له حلا أو ردعا ,
رفعوا شكواهم إلى رجل حكيم فى قرية مجاورة آملين فى التخلص منه , فما كان من الحكيم إلا أن استدعاه , و بدلا من نصحه قدم اليه صفقة مغرية لا ترد , فقط طلب منه أن أن يعيد إلي كل شخص حقه مقابل أن يعطيه سكين ,
ثم يسير بهذه السكين إلى أقصى ما يستطيع الوصول ثم يضع سكينه تلك , و يصبح من مكانه هذا إلي المكان الذي سوف يضع به هذه السكين ملك له بشرط أن يعود قبل غروب الشمس .
قبل الطماع بلا تردد و انطلق ركضا يحاول الوصول لاهثا إلي أبعد نقطة ممكنة قبل غروب الشمس , بعد كل مسافة يتوقف ويرى أن ما قطعه قليل فيتحرك مسرعا ليصل لنقطة أبعد, و ظل على هذه الحال حتى وجد الشمس قاربت المغيب ,
و هنا هرول راجعا حتى لا تضيع الصفقة و لتأخره الشديد بذل كل طاقته للعودة حتى قتله الاعياء و التعب , و ارتاحت منه القرية بفضل حيلة ذاك الحكيم.
ربما نسخر من فعل ذاك الجشع الساذج و تغفيله و لكن المثير أكثر للدهشة أن كثير من عظماء التاريخ وقعوا فى نفس فخ الطماع ذاته , فنابليون لم يكتف بهزيمة أغلب أوربا حتى ساقه طمعه إلى هلاك أكثر جيشه فى الجليد الروسى و بعده هتلر و غيرهم الكثير ,
لكن النموذج الطافى على السطح آلان كنا نحسبه أكثر حنكه و وعيا , فإذا به تناول سكين الفلاح الطماع و استمر فى الهرولة فى نفس الاتجاه , و حديثنا بالطبع عن الرئيس التركى أردوغان .
فمنذ سقوط الدولة العثمانية , ظلت تركيا الأتاتوركية تدير لنا ظهرها آنفة و كبرا , فى حين تتسول الانضمام للدول الأوربية بلا مجيب , و كم غمرنا التفاؤل بعد وصول الأحزاب الاسلامية لسدة الحكم , و ظننا أن الأخ الشارد عاد لصف أخوته من جديد ,
فإذا بنا نكتشف أن عودة الأتراك لحضن العالم الاسلامى ليست كعودة شقيق مهم و مركزى يزيدنا قوة و يعاضد أمتنا , بل لم تزد كونها عن حضن أفعى تعصرك لكى تكون وجبتها ,
فشتان بين من تدخل بقصد الاصلاح و بين من كان منتهزا لكل فرص لمد النفوذ و الانتفاع من كل خراب بما يصب فى مصلحته الضيقة و من بعدها بلده حتى و لو بسرقة مقدرات بلد جار و ليس على أدل على ذلك ما جرى من سرقة مصانع و معامل مدينة حلب علنا و بيعها خردة فى أسواق مدينة غازى عنتاب فى تركيا,
و قد علمنا أن فتنة تجرى بين فئتين من الأمة فالاصلاح بينهم خير , و ليس اتخاذ أحدهم مطية للهيمنة على مقدرات بلاده و نهبها إن أمكن .
نعم نحن بلاد تعانى من ديكتاتورية نتمنى زوالها, و نحن أيضا من نعانى من تدهور و أزمات اقتصادية نرجو التعافى منها , و أيضا فى كثير من بلادنا طائفية بغيضة نرجو ترويضها و سكونها, و لكن ما بالنا بمن يبحث من بيننا اذا أطلت الفتن و الأزمات عن مطية و حصان طروادة لمد نفوذه داخل كل بلد و ليزيد كل فتنة اشتعالا فى حين يهرول إلى اسرائيل دائما مادا يد التعاون و المحاباة فعليا ,
و بالطبع لا ينسانا و فلسطين بمعسول الكلام , و دائما يقدمه مريدوه فى بلادنا على أنه حامى حمى الاسلام و رجاله , ولكن لاكتمال فصول الكوميديا نجده يحارب رجال الاسلام هؤلاء فى أفغانستان كتفا بكتف مع أمريكا و بريطانيا ( بالمناسبة ليس بينه و بين الأفغان أى مشكلة أو سابق عداوة أو حتى حدود مشتركه ) ,
و إذ كان هو دكان السلاح والعتاد فى سوريا لتنظيم النصرة التابع للقاعدة فى سوريا , فهو أيضا مؤسس لقاعدة تركية فى الصومال لمحاربة تنظيم الشباب التابع بالمناسبة لتظيم القاعدة فى الصومال , و لكنه فعلا يعرف من أين تؤكل الكتف فى كل بقعة على حسب ما تمليه المصلحة.
استفادت تركيا و رئيسها أردوغان من الأزمة السورية الكثير , فأهم ما كان يتطلع إليه نفسيا من الظهور بمظهر السلطان العثمانى المؤثر و الحامى لتيارات الاسلام السياسى فى المنطقة , حتى اللاجئين السوريين و الذى يدعى أنهم العبء الثقيل على كاهل أمته ,
هم ببساطة الصناع و التجار و العمالة بأجر بخس , و جزء من تروس الماكينة التركية فى نهضتها , و مصدر لابتزاز أوربا من آن لأخر طمعا فى المساعدات مقابل حجز اللاجئين السوريين و منعهم من طرق الحدود الأوربية ,و هم أيضا وقود للتجنيد لاتمام مشاريعه و حروبه يرسلهم إلى حتفهم على الجبهات , و يوفر أبناء جلدته تجنبا لنقد من جموع شعبه , فماتوا على جبهات القتال ضد الأكراد و السوريين و أخيرا الليبيين بلا ثمن تقريبا .
و برزت الفائدة الأكبر فى الابتزاز السياسى لطرفى الصراع الروسى و الأمريكى فى سوريا , فهو حينا يساوم روسيا بغض الطرف عن مكاسب النظام على حساب المعارضة إذا بدت له منفعة من ذلك , و حينا يساوم أمريكا على كبح جماح ايران و نظام الحكم فى سوريا (و ربما جر شكل روسيا إن أمكن) و هكذا على هذا المنوال المضحك المبكى.
ربما نكون أطلنا فى حديثنا هذا و لكن تشعب الموضوع جعل له جوانب عديدة يجب ايضاحها و رؤيتها جلية لمعرفة كيف تكون ردود أفعالنا , و بقى علينا أن نحدد مواضع الجراح لدينا حتى لا نقع فى فخاخ من تربص بنا , و أول الأمور اصلاح ذات البين داخليا و ترتيب البيت الداخلى و التعامل مع الخارج كأمة متجانسة واحدة , و اعلام نظيف نثق فيه , و رجال خبرات ثقات يعرفون معنى الانتماء و حمل الأمانة يقودون مسيرتنا .
أما صاحبنا و سكينه , فعساه أن يتدارس الموعظة من غيره , أو غدا يسيل دمه بذات السكين , و لن يحظى حتى بخيار العودة لنقطة البداية.